خلال عقود من الزمن ظل الموريتاني يحلم دائماً برؤية منتخبه الوطني يقارع نظراءَه في إفريقيا بندية مطلقة؛ دون الشعور بعقدة الدونية، التي ظلت تؤرق لاعبينا ردحاً طويلاً من الزمن..
صحيح أننا حققنا عبر التاريخ بعض المكتسبات المشرفة أحياناً، مثل المشاركة القوية في بطولة "كابرال" الودية منتصف التسعينات، لكننا لم نصل قط، قبل الآن، إلى المستوى الذي يجعلنا نقارع كبار القارة السمراء بندية تامة وعلى أعلى المستويات، حتى نظهر على الميدان مرشحين بكفاءة لتحقيق الفوز دون أن نسرقه على حين غرة..
منتخبنا الوطني اليوم بات منتخباً ذا هوية وشخصية قوية، قادراً على فرض أسلوبه وطريقته على خصومه؛ فإذا فاز فاز باستحقاق وجدارة، وإذا خسر خسر دون مهانة أو مذلة، وهذه هي أعلى درجات الكرامة في كرة القدم الحديثة.
ولم يكن منتخبنا ليصل إلى هذا المستوى لولا تراكم نتائج العمل الكبير الذي قيم به في السنوات القليلة الماضية على كل المستويات؛ حيث حظي الفريق بفرصة مواجهة مختلف المنتخبات الكروية من مختلف المدارس والقارات وبمختلف المستويات والأساليب، في وقت أحيط فيه برعاية لوجستية ومالية وفنية من أعلى المستويات.
منتخبنا اليوم يعيش لحظات استثمار الخبرة التي اكتسبها في السنوات الماضية تحت قيادة المدرب الفرنسي السيد كورينتان مارتينس؛ الذي وصل بدوره إلى مستوى معرفة كل قدرات ومميزات لاعبيه، ولعل هذا الأمر هو الذي ساعده في التوظيف الأمثل للاعبيه.
وقد تجلت هذه المعرفة الدقيقة لقدرات اللاعبين وخصوصياتهم من طرف مدربهم في التحسن الواضح على المستوى الفردي والجماعي لمعظم اللاعبين؛ فالحسن العيد الآن يعيش أحسن أوقاته مع المنتخب الوطني؛ إذ يقدم أداءً متميزاً كصانع للعب، كما يعيش باقا يوقو لحظات متميزة هو الآخر كلاعب ارتكاز عصري يسترجع الكرة بامتياز ويعرف أين وكيف ومتى يتحرك لطلبها ومراقبتها، والمنظومة الدفاعية للفريق باتت أكثر تماسكاً وثباتاً من ذي قبل، وهذه مجرد أمثلة على التحسن الكبير في أداء اللاعبين فردياً وجماعياً، وفي قدرة المدرب على توظيفهم بأحسن طريقة ممكنة.
الشيء المميِّز لفريق مارتينس الحالي أنه يتجدد بهدوء وتدرج، فهو يضم عناصر جديدة في كل الخطوط، دون أن تخرج منه عناصر الخبرة التي تم العمل على تطوير مستوياتها واكتسابها خبرة المنافسة في إفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية؛ حتى بات لدينا منتخب يضم لاعبين جدد قادرين على منحه الإضافة والدماء الكفيلة ببعث روح جديدة في الفريق، دون أن يخسر نتائج تراكم العمل الذي قيم به للعناصر القديمة..
أما على المستوى الخططي فقد بات المدرب مع المجموعة الحالية قادراً على تغيير وتنويع خطط اللعب إلى أكثر من طريقة، مهما كانت العناصر التي يلعب بها، ومهما تغيرت ظروف المباريات، وقد شاهدنا ذلك من خلال المباراتين الأخيرتين (الدفاع بقوة وقت الدفاع، والهجوم بحكمة وقت الهجوم).
خلاصة القول إن المنتخب الوطني الآن بات مطمئناً لنا، مستحقاً ثقتنا التامة في قدرته على المنافسة بقوة وكفاءة في سباق التأهل إلى كأس الأمم الإفريقية المقبلة، فلنقف جميعاً صفاً واحداً وموحداً إلى جانبه من أجل بلوغ هذا الهدف؛ فلن يعرف المرابطون الانكسار بعد الآن..